الجمعة، 30 مارس 2012

هل خانت النهضة ثوابتها ؟

لا يخفى على أحد ما أثارته قضيّة التنصيص على "مصدريّة الشريعة"  في الدستور من جدل  على الساحة التونسية و بالأخصّ الإسلاميّة منها ليخرج المنادون بها في مظاهرات داعمة و المتخوفون منها في مظاهرات رافضة 
و هنا تجب الإشارة إلى أنّ الداعين لا يعلمون إلى ما يدعون و لا المتخوفون يعلمون ممّا يخوفون 
فالداعون يقولون نعم لتحكيم شرع الله و النقاش ليس حول التحكيم لشرع الله من عدمه و إنّما حول مصدريّة الشريعة الإسلاميّة من ضمن مصادر أخرى يرتكز عليها المشرّع الوضعي في سنّه للقوانين و هذا خلط جوهري قد لا يغتفر إذا ما تمّ التنصيص على المصدرية و الجميع يعني التطبيق رغم أنّ جلّ الداعين إلى تطبيق الشريعة و أحكامها يعلمون أنّه لا الظروف مهيئة لذلك و لا الشروط كذلك و لا السلطة قادرة على ذلك فالسلطة ليست إسلاميّة في المطلق و إنّما هي بعض من سلطة بعد ثورة لم يمض عليها العام فهل بعد عام يمكن أن نطبّق الشريعة ؟ 
ثمّ من كان ليعتقد أصلا أنّ المسألة ستثار في هذا الوقت بالذات فالمدّة ليست بكافية لمثل  هذا الطرح ؟
و لم نر على الأقلّ من قدّم نفسه في الحملة الإنتخابيةعلى أنمّه سيطبّق الشريعة أو حتى أن ينادي بها كمصدر و إنما في أحسن الحالات قامت حركة النهضة بتضمين التأكيد على إسلامية الدولة و على التمسّك بالفصل أوّل علما و أن مناقشة الفصل الأوّل و إعادة صياغته كان مطروحا من قبل العديد من الأحزاب و ذلك بتضمين عبارات "تونس دولة مدنية نظامها ديمقراطي تحترم الحريات " دون ذكر الديانة و هو إنكار للهوية العربية الإسلامية و لدين الدولة و الشعب و هذا الطرح كان العديد من القابلين اليوم بالفصل الأوّل يرون فيه تأكيدا على المنحى الحداثي و الديمقراطي لتونس ما بعد الثورة 
هؤلاء هم المتخوفون من الشريعة و من تطبيقها حتى أنهم متخوفون من المصدرية و يعلمون أن حركة النهضة تتحدّث عن المصدرية لا عن التطبيق و رغم ذلك يروجون على أنّ المقصود هو التطبيق و هم المالكون لوسائل الإعلام  بكلّ أنواعه 
فمثلا نأخذ رأي المنصف المرزوقي الذي قال "الشريعة تعني قطع الرؤوس كلّ يوم جمعة في جامع الزيتونة " 
هنا يؤكّد الطرفان "الإسلامي و العلماني" بأنّه إمّا لم يفهم ماذا تقصد النهضة بالمصدريّة أو أنّ العلماني  يشوّه لكي لا يمرّ الإقتراح و الإسلامي يتمنّى أن لا تكون مصدرية و إنما تطبيق و هذا ممّا لا يتّسق المجال له 
فإذا ما سلمنا بأن يقوم المجلس بإستفتاء شعبي على هذه النقطة و في ظلّ وسائل إعلام متواطئة لن يصل إلى الشعب إلاذ كلمة "تطبيق الشريعة" و هنا طبعا لا يعلمون من الشريعة إلاّ الحدود و بالطبع يمكن للمصدرية أن تنجح في الإستفتاء و لكن هل سينجح "تطبيق الشريعة" 
في هذا المجتمع الذي يحتاج إلى دعوة و تعريف بالشريعة و الدين و بكلّ مفاصله فالكلّ يعلم بأنّ تونس أرض دعوة بعد سياسات تجفيف المنابع و تلويثها فهل يعي التونسي معنى الشريعة أو حتى معنى المصدرية في حدّ ذاتها ؟ و هل من السهل عليه التفرقة بين المصدرية و التطبيق ؟ 
أظنّ بأنّ الجواب  موجود عندما تشاهد فقط الساحة التونسية و وسائل الإعلام التي تبث و الشارع الذي تمشي فيه و الكليّة التي تدرس فيها و ليس المسجد الذي تصلّي فيه و الإخوة الذين تتحدّث معهم 

تقول لي الشريعة تفرض فرضا و ليس عليّ  أن أستشير الناس لكي أفرضها أقول لك من أنت لكي تفرض  و على من ستفرض ؟ هل 
ستفرض على سارق لم يجد القوت أم على من لم تعلمه أنّه عليه أن يترك الخمر لأنّك متخاذل عن الدعوة  ؟

أما عن المصدرية فقانونا ليست المشكلة في المصدرية فهناك من الأمثلة التي تحمل المصدرية في الدستور الكثير فالدستور اليمني يعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع و الدستور المصري مصدرا أساسيا و الدستور السوري كذلك 
فالأوّل قتل فيه الشعب و إعتدي على الحرمات و وصل إلى التقسيم إلى شمال و جنوب في ظلّ هذا الدستور أما الثاني (دستور مصري 
)
فقد عقد مع إسرائيل عقودبيع الغاز و الشعب المصري في أمسّ الحاجة إليه هو و الشعب الفلسطيني و أمّا الثالث فالنظام السوري المتخذ للشريعة مصدرا يذبح شعبه الذي يعلو صوته بالله أكبر فعن أيّ مصدريّة تتحدّثون ؟
و هنا نذكر بأنّ 7 دول عربية و إسلامية تتخذ فقط عبارة الإسلام دينها كما هو الدستور التونسي و بهذا أفنّد مقولة الفصل البورقيبي 

فهل المشكلة مشكلة تنصيص أم هي الممارسة ؟ 
نعم هي الممارسة فلم تكن هناك مؤسسة دستورية تعنى بمراقبة دستورية القوانين فقد مرذ منشور عدد 102 و من بعد 108 سيء الذكر و المتعلق باللباس الطائفي و مرّت عدّة قوانين مخالفة للشريعة الإسلاميّة و من بينها قانون التبنّي الذي أعتبره الكارثة الكبرى في تاريخ القوانين الوضعيّة و الذي ولّد عديد المآسي في المجتمع التونسي و لا أستثني قانون إسناد اللقب العائلي الذي يتعارض جملة و تفصيلا و آثارا مع الشريعة الإسلاميّة تلك القوانين التي مرّت لم تمرّ إلاّ في ظلّ غياب جهاز دستوري يراقب و يمنع صدور قوانين مخالفة للإسلام فلم يكن موجودا إلاّ مجلس دستوري تجمّعي وظيفته إستشارية و عبارة الإسلام دينها منعت التوقيع على عديد البروتوكولات التي تعنى بإلغاء عقوبة الإعدام كما أبدت الحكومة التونسية تحفظها في على عديد البروتوكولات و من بينها عدم التمييز ضدّ المرأة و خاصّة بندي المساواة التامّة في الإرث و كذلك حرية الزواج "صورة الزواج بغير مسلم" 
كما سجّل فقه القضاء التونسي الإستناد على عبارة الإسلام دينها في قضايا توارث بين غير مسلمة و مسلم إستنادا إلى "المسلم لا يرث غير المسلم" و عدّة حالات فعّل فيها الفصل الأوّل و هو كاف في ظلّ وجود محكمة دستوريّة 

أمّا سياسيا فالتنصيص على المصدرية أو حتى على كلمة شريعة فهو مساهم في  التفرقة داخل المجتمع التونسي في فترة تتّسم بالهشاشة و عدم الوضوح فلا الرافض يعلم لما رفض و لا الموافق بقادر على أن يقنع الرافض بالموافقة 
و الملاحظ أنّ المنادين بالشريعة و المساندين لها إمّا نهضوييون أو سلفييون أو أناس عاديون ملتزمون و هنا أسجّل ما شهادت جمعة  نضصرة الشريعة أمام المجلس التأسيسي فقد كان المساندون عموما من الملتزمين و الملتزمات إلاّ  من بعض غير المحجبات (الكلّ بقي يصورهن و كأن المطلب شعبي و الكل يطالب به و هن 4 من غير المحجبات لا غير علما و أن جلّ بنات تونس غير محجبات فأين هنّ؟)و البعض من غير الملتزمين و الأصل فيه أن يكون الجميع مطالبين بهذا المطلب بكلّ فئاتهم 
و هنا أعطي مقارنة بسيطة بين جمعة القصبة 2 المنادية بالمجلس التأسيسي و إسقاط حكومة الغنوشي و الشريعة فقط كان بهذه المسيرات كلّ أطياف المجتمع التونسي فأيهما أهمّ المجلس و إسقاط حكومة السبسي أم الشريعة ؟ 
طبعا الشريعة فلماذا لم ينزل جلّ الشعب التونسي بكلّ مكوناته ؟ و هنا أدحض مقولة  شعبيّة المطلب فهو ليس شعبيا و إنما مطلب للملتزمين سواءا نهضويين أو سلفيين أو غيرهم من التونسيين 

المسألة الأهمّ بالنسبة لي هو عدم إستعجال الحركة الإسلامية التي صعدت إلى الحكم للثمرة فكلّ التجارب السابقة تقول بأنّ كلّ الحركات الإسلامية التي صعدت إلى الحكم أو هي في طيرقها له و إستعجلت الثمرة قامت بكارثة جنت على بلدانها و على المشروع الإسلامي في المنطقة السودان مثالا  فبإنقلاب النميري رغم تبنّيه لفكر إخواني وسطي قام بإدخال السودان في حرب أهليّة جنت عليه الويلات و لا ننسى تجربة الجزائر الذي كانت فيه الجبهة الإسلامية أكبر القوى فإستعجلت الثمرة و تقوّت و كان خطابها حماسيا" يقولون صدعت بالحقّ" و قد كانت في مسيراتها تخرج 2 ملايين في شوارع الجزائر العاصمة و ها قد ذهب المشروع أدراج الرياح و نصبت لقيادات المشروع المشانق مع الشعب الأعزل لا لشيء إلاّ لأنّ فرنسا و الجنرالات لم يرضوا على هذا الوليد الذي سيغيّر موازين القوى 
فهل هذا من الكياسة 
؟ إنّ إستعجال الثمرة و عدم الصبر على الدعوة و كأنّ القادم  لن يكون أفضل من الدكتاتوريات التي كنا نعيش  هم المسبّب الرئيس في فشل الحركات الإسلامية 
فبالأمس القريب كنّا نقول نريد أن نتطلّع على العالم من ثقب إبرة و لم نجد ذلك الثقب و اليوم العالم كلّه أمامنا نتطلّع فيه و ننهل منه و نخاطبه بكلّ حريّة أفنحفر قبور هذا المشروع بأيدينا فهل تجاملنا السنن الكونية التي لا تجامل ؟ 
الكياسة و الحنكة و التدرّج و خاصّة الثقة بالله و العمل سنين طوال هو الذي سيجعل المشروع الإسلامي ماض لا تهدّده الأخطار و لا الأهوال و إنما الحماسة في غير موضعها و إستعجال الثمرة هو المدمّر الرئيس للمشروع الإسلامي